محمد عصام يكتب: الندوة الصحفية لحزب العدالة والتنمية وإلغاء جلسة الحصيلة المرحلية.. أية علاقة؟

تنظيم حزب العدالة والتنمية لندوة صحفية لتقييم الحصيلة المرحلية لحكومة أخنوش، هو تمرين ديمقراطي لا لبس فيه، ويدخل ضمن الأدوار الدستورية المنوطة بالأحزاب السياسية في التأطير والتوجيه.
وأن ينظم الحزب هذه الندوة بيوم واحد قبل عرض رئيس الحكومة الحصيلة في جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان، أيضا لا مشاحة فيه، فاختيار الزمان والمكان من مشمولات استقلالية القرار الحزبي، أما ادعاء أن في ذلك استباقا لما سيأتي في الجلسة العامة، فهو بدون سند، إذ ما المشكلة في ذلك؟ ولم كل هذا التوجس والخوف؟ ما دام أن الأطر الدستورية والقانونية والسياسية وحتى الأخلاقية ليس فيها ما يمنع ذلك.
وإذا كان حزب العدالة والتنمية قد اختار كعادته أسلوب التواصل المفتوح مع المواطنين عبر رجال ونساء الإعلام، فهذا يحسب له لا عليه، ويكرس صورة الحزب التي بناها بكدح أبنائه وبناته ونضالهم في مختلف الساحات، وهي صورة مشرقة لحزب حي يتفاعل مع واقعه، ويملك استقلالية قراره وزمام مبادراته، ويقرر بالشكل والتوقيت الذي يراه مناسبا، في اجتراح الأشكال التواصلية التي تعزز مصداقية الفاعل السياسي وتكرس الثقة فيه، بعد أن أصبح تبديد هذه الثقة هي هواية من حملتهم أمواج 8 شتنبر لصدارة المشهد التي لا يستطيعون الفطام عنها، وأرقام مؤشر الثقة الذي تنتجه مندوبية التخطيط فاقعة في هذا الباب، بل إنها ماحقة ساحقة.
والذي ليس عاديا، هو أن يصدر بلاغ عن رئيسي غرفتي البرلمان في الوقت الذي تنعقد فيه الندوة الصحفية للعدالة والتنمية، ليخبر بتأجيل جلسة عرض الحصيلة المرحلية إلى أجل غير مسمى، وبدون بيان الأسباب التي كانت وراء هذا القرار المفاجئ.
ولنضع القارئ في صورة الحدث، فالجلسة كانت قد أعلن عنها ببلاغ رسمي مشترك لمجلسي البرلمان يوم 12 أبريل، طبقا للمادة 101 من الدستور ومقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، وكانت بطلب من رئيس الحكومة الذي حدد تاريخ انعقادها يوم غد 17 أبريل.
فما الذي وقع حتى يتم هذا التأجيل الذي يمس في الصميم مصداقية المؤسسات، ويجعلها تغرق في وحل العبث والارتجالية بهذا الشكل الفظيع الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الممارسة السياسية بالمغرب على الأقل في العهد الجديد؟
هناك حديث عن رسالة لرئيس مجلس النواب يلتمس فيها التأجيل بسبب عدم استكمال هياكل المجلس؟
وهذا عذر أقبح من زلة، إذ بإمكان الرئيس أن يعين أمينين ليكونا معه في تسيير الجلسة في انتظار استكمال الهياكل بمقتضى النظام الداخلي ذاته، وللأسف تم هدر جلسة دستورية عامة للأسئلة الشفهية أمس الإثنين 15 أبريل بنفس الادعاء. فكم سيكفي هذه الأغلبية من الزمن لتهدره قبل أن تستكمل “على خاطرها” هياكل مؤسسة دستورية من حجم مجلس النواب؟
ثم من المسؤول عن عدم استكمال هذه الهياكل، أليست هي الأغلبية ذاتها التي يتبجح قادتها صباح مساء بانسجامها؟ في الوقت الذي تعجز عن تدبير اقتسام مهام واضحة لم يسبق لها أن طرحت إشكالا بهذا المستوى الذي وصل درجة تعطيل المؤسسة وهدر زمنها الرقابي والتشريعي.
وعليه فإذا كان تأجيل جلسة الحصيلة المرحلية، فضيحة سياسية مكتملة الأركان، فإن التعذر بعدم استكمال هياكل مجلس النواب سيكون وصمة عار في جبين هذه الأغلبية ولعنة تكشف عورتها أمام العالمين، وتسيء إلى المغرب وصورته التي بناها لبنة لبنة بجهد بناته وأبنائه وتوجيهات قائده جلالة الملك محمد السادس.
وبعد سقوط “تعلات” الأغلبية عند التمحيص، يكون سؤال طرح العلاقة بين تأجيل الجلسة وبين الندوة الصحفية للعدالة والتنمية مشروعا ومباحا.
وذلك بحكم النجاح الباهر لهذا التمرين الديمقراطي، والذي يجسده حجم حضور الجسم الصحفي لهذا الحدث، إيمانا من الصحفيين بأنه فعلا حدث يستحق المتابعة، في زمن يريد البعض فيه أن يوراي “السياسة” الثرى ويقيم على أنقاضها مشهدا بلا روح ولا حياة.
هذا الحضور ُترجم إلى حجم كبير من المتابعات والتغطيات التي تناولت زوايا مختلفة مما تم عرضه من معطيات علمية موضوعية وموثوقة، وما دار في الندوة من نقاش سياسي عال ومثمر.
ثم إن العارفين بشخصية رئيس الحكومة، وبعدم قدرته على اجتراح نقاش سياسي بأدوات السياسية وتقنيات التواصل السياسي السلس، سيربطون حتما بين الندوة وتأجيل جلسة الحصيلة المرحلية للحكومة.
فليس سرا أن أخنوش رغم ما يتم توفيره له من “coaching” وحصص تدريبية يشرف عليها خبراء في التواصل، فإنه عاجز عجزا بينا في ملء مقعد رئيس الحكومة المفترض فيه أن يكون قائدا سياسيا بالمعنى الحقيقي للسياسة، وليس السياسة بمعناها الذي يتبناها أخنوش ويلخصها في خبرة يمكن أن تشترى بالمال كما يتم شراء كل شيء بما فيها الذمم بالمال.
هذا العجز المزمن هو السبب الحقيقي في تهرب رئيس الحكومة من الجلسات الشهرية للسياسة العامة، والتي طيلة هذه السنوات الثلاث الماضية من عمر الحكومة لم يحضر منها إلا 23 جلسة بمعدل واحدة كل شهرين في حين أن الدستور وقرار المحكمة الدستورية يفرض عليه جلسة واحدة لكل مجلس من مجلسي البرلمان شهريا.
فكيف سيغامر أخنوش وأغلبيته بالمرور أمام رقابة البرلمان مباشرة بعد ندوة فضحت تدبير الحكومة في كل المجالات، وبينت أن هذه الحكومة تشبه ما يقوله المثل “رأس القرع فيما ضربتيه إسيل الدم”.
هذا الجبن والهلع من تمرين المساءلة البرلمانية، لم يعد أمر خفيا على المواطنين عموما، بل إن حتى الذي كُلفوا بمهمة الدفاع عن هذه التجربة من مختلف المواقع، أو بالدقة من تم شراؤهم لأداء هذه الوظيفة، بدأوا يضجرون من هذا العقم التواصلي ولم يعودوا يخفون تبرمهم منه.
وأخنوش أيضا بنفسه يقر بذلك، فمرة وهو يتحدث عن الانتقادات الموجهة إليه، تحدث عن “حرايفية السياسة”، وهي الكلمة / العقدة التي تختزل كل أعطاب اللحظة السياسية التي يشكل أخنوش ومن معه إحدى تجلياتها الكبرى، فالتدبير بدون سياسة مهلكة للسياسة وللتنمية وللمؤسسات، والملفات الحارقة كالتعليم وكليات الطب والصيدلة وغيرها، مؤشر على أن من يدبر بلا أفق سياسي سينهار عليه البناء بما حمل، فالله نسال لبلدنا العافية والسلامة والبراءة من عديمي الكفاءة والجدارة في السياسة والكياسة والتدبير، فهم معاول الهدم ولن يكونوا حتما أدوات بناء.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.